فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لأنهم جمعوا بين الكفر الذي ظلموا به أنفسهم وبين المعاصي التي ظلموا بها غيرهم كاستعباد بني إسرائيل، وذبح أبنائهم.
وانتصاب {قَوْمِ فِرْعَونَ} على أنه بدل، أو عطف بيان من القوم الظالمين، ومعنى {أَلا يَتَّقُونَ}: ألا يخافون عقاب الله سبحانه، فيصرفون عن أنفسهم عقوبة الله بطاعته وقيل المعنى: قل لهم: ألا تتقون؟ وجاء بالياء التحتية لأنهم غيب وقت الخطاب، وقرأ عبيد بن عمير، وأبو حازم: {ألا تتقون} بالفوقية: أي: قل لهم ذلك، ومثله: {قُلْ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ} [آل عمران: 12] بالتحتية والفوقية.
{قَالَ رَبّ إِنّي أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ} أي قال موسى هذه المقالة، والمعنى: أخاف أن يكذبوني في الرسالة {وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي} معطوفان على {أخاف} أي يضيق صدري لتكذيبهم إياي، ولا ينطلق لساني بتأدية الرسالة، قرأ الجمهور برفع {يَضِيقُ}، {ولا ينطلق} بالعطف على {أخاف} كما ذكرنا، أو على الاستئناف، وقرأ يعقوب وعيسى بن عمر وأبو حيوة بنصبهما عطفًا على {يكذبون}.
قال الفراء: كلا القراءتين له وجه، قال النحاس الوجه.
الرفع، لأن النصب عطف على {يكذبون} وهذا بعيد {فَأَرْسِلْ إلى هارون} أي: أرسل إليه جبريل بالوحي ليكون معي رسولًا موازرًا مظاهرًا معاونًا، ولم يذكر الموازرة هنا، لأنها معلومة من غير هذا الموضع، كقوله في طه: {واجعل لّي وَزِيرًا} [طه: 29]، وفي القصص {أُرْسِلَهُ مَعِىَ رِدْءًا يُصَدّقُنِي} [القصص: 34].
وهذا من موسى عليه السلام من باب طلب المعاونة له بإرسال أخيه، لا من باب الاستعفاء من الرسالة، ولا من التوقف عن المسارعة بالامتثال: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ} الذنب هو قتله للقبطي، وسماه ذنبًا بحسب زعمهم، فخاف موسى أن يقتلوه به.
وفيه دليل على أن الخوف قد يحصل مع الأنبياء فضلًا عن الفضلاء.
ثم أجابه سبحانه بما يشتمل على نوع من الردع وطرف من الزجر {قَالَ كَلاَّ فاذهبا بئاياتنا} وفي ضمن هذا الجواب إجابة موسى إلى ما طلبه من ضم أخيه إليه كما يدلّ عليه توجيه الخطاب إليهما كأنه قال: ارتدع يا موسى عن ذلك، واذهب أنت ومن استدعيته، ولا تخف من القبط {إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ}، وفي هذا تعليل للردع عن الخوف، وهو كقوله سبحانه: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وأرى} [طه: 46]، وأراد بذلك سبحانه تقوية قلوبهما، وأنه متولّ لحفظهما، وكلاءتهما، وأجراهما مجرى الجمع فقال: {مَّعَكُمْ} لكون الاثنين أقلّ الجمع على ما ذهب إليه بعض الأئمة، أو لكونه أراد موسى وهارون ومن أرسلا إليه، ويجوز أن يكون المراد: هما مع بني إسرائيل، و{معكم}، و{مستمعون} خبران لأنّ، أو الخبر {مستمعون}، و{معكم} متعلق به، ولا يخفى ما في المعية من المجاز، لأن المصاحبة من صفات الأجسام، فالمراد: معية النصرة والمعونة {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبّ العالمين} الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، ووحد الرسول هنا، ولم يثنه كما في قوله: {إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ} [طه: 47]؛ لأنه مصدر بمعنى: رسالة، والمصدر يوحد، وأما إذا كان بمعنى المرسل، فإنه يثنى مع المثنى، ويجمع مع الجمع، قال أبو عبيدة: رسول بمعنى رسالة، والتقدير على هذا: إنا ذوا رسالة ربّ العالمين، ومنه قول الشاعر:
ألا أبلغ أبا عمرو رسولا ** فإني عن فتاحتكم غنى

أي: رسالة.
وقال العباس بن مرداس:
ألا من مبلغ عني خفافا ** رسولا بيت أهلك منتهاها

أي: رسالة.
قال أبو عبيدة أيضًا، ويجوز أن يكون الرسول بمعنى الاثنين والجمع، تقول العرب: هذا رسولي ووكيلي، وهذان: رسولي ووكيلي، وهؤلاء رسولي ووكيلي، ومنه قوله تعالى: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} [الشعراء: 77] وقيل معناه: إن كل واحد منا رسول رب العالمين، وقيل: إنهما لما كانا متعاضدين متساندين في الرسالة كانا بمنزلة رسول واحد، و{أن} في قوله: {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إسراءيل} مفسرة لتضمن الإرسال المفهوم من الرسول، معنى القول: {قَالَ أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا وَلِيدًا} أي قال فرعون لموسى بعد أن أتياه، وقالا له ما أمرهما الله به، ومعنى {فينا}: أي في حجرنا ومنازلنا، أراد بذلك المنّ عليه، والاحتقار له أي ربيناك لدينا صغيرًا، ولم نقتلك فيمن قتلنا من الأطفال.
{وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} فمتى كان هذا الذي تدّعيه؟ قيل: لبث فيهم ثماني عشرة سنة، وقيل: ثلاثين سنة.
وقيل: أربعين سنة.
ثم قرّرت بقتل القبطي، فقال: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التي فَعَلْتَ} الفعلة بفتح الفاء: المرّة من الفعل، وقرأ الشعبي: {فعلتك} بكسر الفاء، والفتح أولى؛ لأنها للمرّة الواحدة لا للنوع، والمعنى: أنه لما عدّد عليه النعم ذكر له ذنوبه، وأراد بالفعل قتل القبطي، ثم قال: {وَأَنتَ مِنَ الكافرين} أي من الكافرين للنعمة حيث قتلت رجلًا من أصحابي، وقيل: المعنى: من الكافرين بأن فرعون إله، وقيل: من الكافرين بالله في زعمه؛ لأنه كان معهم على دينهم، والجملة في محل نصب على الحال.
{قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَاْ مِنَ الضالين} أي قال موسى مجيبًا لفرعون: فعلت هذه الفعلة التي ذكرت، وهي قتل القبطي، وأنا إذ ذاك من الضالين أي: الجاهلين.
فنفى عليه السلام عن نفسه الكفر، وأخبر أنه فعل ذلك على الجهل قبل أن يأتيه العلم الذي علمه الله، وقيل: المعنى: من الجاهلين أن تلك الوكزة تبلغ القتل، وقال أبو عبيدة: من الناسين {فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ} أي: خرجت من بينكم إلى مدين كما في سورة القصص {فَوَهَبَ لِي رَبّي حُكْمًا} أي نبوّة أو علمًا وفهمًا.
وقال الزّجاج: المراد بالحكم تعليمه التوراة التي فيها حكم الله {وَجَعَلَنِي مِنَ المرسلين وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إسراءيل} قيل: هذا الكلام من موسى على جهة الإقرار بالنعمة، كأنه قال: نعم تلك التربية نعمة تمنّ بها عليّ، ولكن لا يدفع ذلك رسالتي، وبهذا قال الفراء وابن جرير.
وقيل: هو من موسى على جهة الإنكار: أي: أتمنّ عليّ بأن ربيتني وليدًا، وأنت قد استعبدت بني إسرائيل وقتلتهم، وهم قومي؟ قال الزجاج: المفسّرون أخرجوا هذا على جهة الإنكار: بأن يكون ما ذكر فرعون نعمة على موسى، واللفظ لفظ خبر، وفيه تبكيت للمخاطب على معنى: أنك لو كنت لا تقتل أبناء بني إسرائيل لكانت أمي مستغنية عن قذفي في اليمّ، فكأنك تمنّ عليّ ما كان بلاؤك سببًا له، وذكر نحوه الأزهري بأبسط منه، وقال المبرد: يقول التربية كانت بالسبب الذي ذكرت من التعبيد أي تربيتك إياي كانت لأجل التملك، والقهر لقومي، وقيل: إن في الكلام تقدير الاستفهام أي أو تلك نعمة؟ قاله الأخفش، وأنكره النحاس.
قال الفراء: ومن قال: إن الكلام إنكار قال معناه: أو تلك نعمة؟ ومعنى {أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إسراءيل}: أن اتخذتهم عبيدًا، يقال: عبدته وأعبدته بمعنى، كذا قال الفراء، ومحله الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف بدل من نعمة، والجر بإضمار الباء، والنصب بحذفها.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس {فَظَلَّتْ أعناقهم لَهَا خاضعين} قال: ذليلين.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة: {وَلَهُمْ عَلَىَّ ذَنبٌ} قال: قتل النفس.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الكافرين} قال: للنعمة، وإن فرعون لم يكن ليعلم ما الكفر؟ وفي قوله: {فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَاْ مِنَ الضالين} قال: من الجاهلين.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد: {أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إسراءيل} قال: قهرتهم واستعملتهم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {إِنَّا رَسُولُ}:
إنما أَفْرد رسولًا: إمَّا لأنه مصدرٌ بمعنى رسالة، والمصدرُ يُوَحَّد. ومن مجيءِ {رسول} بمعنى رسالة قوله:
لقد كَذَبَ الواشُون ما فُهْتُ عندهمْ ** بِسِرٍّ ولا أَرْسَلْتُهُمْ برسولِ

أي: برسالة، وإمَّا لأنهما ذوا شريعةٍ واحدة فنُزِّلا منزلةَ رسول، وإمَّا لأنَّ المعنى: أنَّ كلَّ واحدٍ منا رسولٌ، وإمَّا لأنه مِنْ وَضْعِ الواحدِ موضعَ التثينةِ لتلازُمِهما، فصارا كالشيئين المتلازِمَيْن كالعينين واليدين، وحيث لم يقصِدْ هذه المعانيَ طابَقَ في قولِه: {إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ} [طه: 47].
قوله: {أَنْ أَرْسِلْ}: يجوزُ أَنْ تكونَ مفسِّرةً ل {رسول} إذ قيل: بأنَّه بمعنى الرسالة، شرحا الرسالة بهذا، وبَيَّناها به. ويجوز أَنْ تكونَ المصدريةَ أي: رسولٌ بكذا.
قوله: {وَلِيدًا}: حال من مفعول {نُرَبِّكَ} وهو فَعيل بمعنى مَفْعول. والوليد: الغلامُ تسميةً له بما كان عليه.
قوله: {مِنْ عُمُرِكَ} حال من {سنين}. وقرأ أبو عمرٍو في روايةٍ بسكونِ الميم تخفيفًا ل فُعُل.
{وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)}.
وقرأ: {فِعْلتَك} بالكسرِ على الهيئة: الشعبيُّ لأنها نوع من القَتْلِ وهي الوَكْزَةُ. و{أَنتَ مِنَ الكافرين} يجوز أن تكونَ حالًا، وأَن تكونَ مستأنفةً.
{قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20)}.
قوله: {إِذًا وَأَنَاْ مِنَ الضالين}: إذن هنا حرفُ جوابٍ فقط. وقال الزمخشري: إنها جوابٌ وجزاءٌ معًا قال: فإنْ قلتَ: إذَنْ حرفُ جوابٍ وجزاءٍ معًا، والكلامُ وقع جوابًا لفرعون فكيف وقع جزاءً؟ قلت: قولُ فرعون {وفَعَلْتَ فعْلتَك} فيه معنى: أنك جازَيْتَ نعمتي بما فعلْتَ. فقال له موسى: نعم: فعلتُها مُجازيًا لك تسليمًا لقولِه، كأنَّ نعمتَه كانت عنده جديرةً بأَنْ تجازى بنحوِ ذلك الجزاءِ.
قال الشيخ: وهذا مذهبُ سيبويهِ يعني أنها للجزاءِ والجوابِ معًا. قال: ولكنَّ شُرَّاح الكتابِ فهموا أنَّه قد تتخلَّفُ عن الجزاءِ، والجوابُ معنىً لازمٌ لها.
{فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21)}.
قوله: {لَمَّا خِفْتُكُمْ}: العامَّة على تشديدِ الميم وهي {لَمَّا} التي هي حرف وجوبٍ عند سيبويهِ أو بمعنى حين عند الفارسي. وروي عن حمزةَ بكسرِ اللام وتخفيف الميم أي: لتخَوُّفي منكم. و{ما} مصدريةٌ. وهذه القراءةُ تُشْبِهُ قراءتَه في آل عمران: {لِما آتَيْتُكم} وقد تقدَّمَتْ مستوفاةً. وقرأ عيسى {حُكُمًا} بضمِّ الكاف إتباعًا.
قوله: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ}: فيه وجهان أحدُهما: أنه خبرٌ على سبيلِ التهكُّمِ أي: إن كانَ ثَمَّ نعمةُ فليسَتْ إلاَّ أنَّك جَعَلْتَ قومي عبيدًا لك. وقيل: حرفُ الاستفهام محذوفٌ لفهمِ المعنى أي: أو تلك وهذا مذهب الأخفش، وجَعَلَ مِنْ ذلك قولَ الشاعر:
أفرحُ أَنْ أُرْزَأَ الكرامَ

وقد تقدَّم هذا مشبعًا في سورة النساء عند قوله تعالى: {وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} [الآية: 79] وفي غيرِه.
قوله: {أَنْ عَبَّدتَّ} فيه أوجهٌ، أحدُها: أنها في محلِّ رفعٍ عطفَ بيان ل {تلك}، كقوله: {وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ} [الحجر: 66]. الثاني: أنها في محلِّ نصبٍ مفعولًا مِنْ أجلِه. والثالثَ: أنها بدلٌ من {نعمةٌ}. الرابع: أنها بدلٌ من ها في {تَمُنُّها}. الخامس: أنها مجرورةٌ بباءٍ مقدرةٍ أي: بأَن عَبَّدْت. السادس: أنها خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: هي. السابعُ: أنها منصوبةٌ بإضمار أعني. والجملة مِنْ {تَمُنُّها} صفةٌ لنعمة. وتُمُنُّ يتعدَّى بالباء فقيل: هي محذوفةٌ أي: تمُنُّ بها، وقيل: ضَمَّنَ تَمُنُّ معنى تَذْكُرُ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16)}.
ويقال في القصة: إن موسى وهارون كانا يترددان على باب فرعون سنةً كاملةً ولم يجدا طريقًا إليه. ثم بعد سَنَةٍ عَرَضَا الرسالة عليه، فقابلهما بالتكذيب، وكان من القصة ما كان، وقال فرعون لمَّا رأى موسى:
{قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18)}.
فلم يكن لموسى- عليه السلام- جوابٌ إلا الإقرارَ والاعتراف.
{قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20)}.
قال: كل ذلك قد كان، وفررت منكم لمّا خفتكم، فأكرمني الله بالنبوة، وبعثني رسولًا إليكم.
ويقال: لم يجحد حقَّ تربيته، والإحسانَ إليه في الظاهر، ولكن بَيَّنَ أنه إذا أمر اللَّهُ بشيءٍ وَجَبَ اتباعُ أمره. ولكن إذا كانت تربية المخلوقين توجِبُ حَقًّا فتربيةُ اللَّهِ أوْلَى بأن يُعَظِّمَ العبدُ قَدْرَها.
قوله: {فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ}: يجوز حَمْلُه على ظاهره، وأنه خاف منهم على نَفْسِه. والفرارُ- عند عَدَمِ الطاقة- غيرُ مذمومٍ عند كلِّ أحد.
ويقال: فررت منكم لمَّا خِفْتُ أن تنزل بكم عقوبةٌ من الله لِشُؤْمِ شِرْكِكِم، أو من قول فرعون: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِى} [القصص: 38].
{وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)}.
ذَكَرَ فرعونُ- من جملة ما عدَّ على موسى من وجوه الإحسان إليه- أنه استحياه بين بني إسرائيل، ودفع عنه القتلَ، فقال موسى: أو تلك نعمة تمنها عليَّ؟ هل استعبادُك لبني إسرائيل يَعَدُّ نعمةً؟ إنَّ ذلك ليس بنعمة، ولا لَكَ فيها مِنَّة. اهـ.